يوم المرأة العالمي: لم يتغير شيء للأسف..!
يوافق يوم الثلاثاء ، الثامن من مارس الحالي (غدا) ، يوم المرأة العالمي. وسأصدق القارئ القول
بأن مضمون كتابتي لهذا الأسبوع لم يكن للمرأة مكان فيه، خاصة أنني قد حاورت قضيتها قريباً في
حديثي عن حقوق المرأة السعودية، إلاّ أنني أجد أنه من الخسارة لذكرى لا تمر إلاّ مرة كل عام،
وتعتبر من أهم المناسبات العالمية للمرأة، أن ترحل عنا صامتة دون التنويه بها على الأقل، وخاصة
أن الأحداث السياسية التي تعيشها بلادنا تغني أي كاتب بالحديث عنها وقتما يشاء.
وعودة إلى موضوعنا، نضيف في نظرة توضيحية لمن يناقش أصل هذا اليوم، بأنه في عام
1857 في الثامن من شهر مارس(آذار) قامت عاملات نسيج في مدينة نيويورك بإضراب عام
احتجاجاً على شروط العمل القاسية والأجور المنخفضة، وانطلقن على أثره في «مسيرة الجوع»
في الشوارع، انتهت بسقوط مئتين وخمسين امرأة، لتحتفل به تاريخاً منذ ذلك اليوم نساء العالم،
إحياء لذكرى العاملات الباسلات، وهو ما دفع بالأمم المتحدة في عام 1977 إلى اتخاذ قرار الاعتراف
باليوم العالمي للمرأة ، بعد أن كان مقصوراً على احتفال النساء في حدودهن الضيقة. وهنا يجوز
لي أن أضيف أن هذا اليوم بالذات ليس له في أوساطنا العربية من إعلان يُذكر، فهل يعاني وجودنا
كنساء عربيات من قطيعة مع منظومة نساء العالم ؟ سؤال يحتاج جوابه إلى مقال آخر، فالجهود
العربية في التواصل مع الآخرين دائماً ما تشتكي من سياسة الانعزالية، فليس الأمر إذن مقيّداً
بالنساء وحدهن.
على كل، بالرغم من حجم ما ناضلت المرأة من أجله، ضد الاستعمار والاستقلال والعنصرية وجميع
أنواع القهر والقمع والعدوان، فإن تقريراً صادراً عن منظمة العفو الدولية في 8/3/2000 يؤكد أن
أوضاع النساء العالمية، وحتى مع الأخذ في الحسبان الانتصارات الجزئية التي حققّنها، لم تتقدم
خطوة واحدة إلى الإمام، مما يجعلنا ندرك الأمر على حقيقته، فتمثيل المرأة في برلمانات العالم ما
زال زهيداً جداً، بالرغم من كل الادعاءات بمبادئ الديمقراطية، ووحدها السويد قد استأثرت
بتسجيل أعلى نسبة من النساء البرلمانيات وصلت إلى 42,7%، أمّا الولايات المتحدة والمتحدث
الرسمي باسم الديمقراطية مع كل طلة إعلامية ، فقد احتلت المركز السابع والأربعين تشاركها
جامايكا وسان مارينو، فكم منا سمع بسان مارينو! فإذا أثارنا الفضول للاطلاع على ترتيب البلدان
العربية فمعروف هو مكاننا الدائم الذي لم ننجح في شيء قدر اصرارنا على الاحتفاظ به، فلا داعي
لتكراره.
وبما أننا ندور في فلك عالمي للمرأة ، فلنحاول أن نتعرف على تأثير العولمة على وضعها النسوي ،
فعصر العولمة الذي بدأ يتشكل منذ السبعينات ، ليُعتقد أنه جاء بعهد جديد اعتبر فيه الإنسان رجلاً
فقط، فبعد أن انتصرت التجارة الحرة عبر الحدود، وبلغت فيها الخدمات والأخبار درجة كبيرة من التغّير
والتسارع، تحول معها العالم إلى رقعة شطرنج تحتل مربعاتها شركات متنقلة، وتلعب فيها تيارات
الهجرة ورأس المال وقوى العمل أدواراً تحددها تقنيات الاتصالات المتطورة، في عمليات انعكس
مجملها على النساء بشكل سلبي حاضر وملموس. فلا يخطئنا القول إذا اعترفنا بأن العولمة
بسوقها الاقتصادي العالمي قد استوعبت المرأة في جميع مراحلها العمرية، إلاّ أنها في الوقت ذاته،
قد همّشت من مكانتها، ورسمت لها تخطيطاً آخر جرها بقوة مغناطيسية نحو الأسواق
الاستهلاكية.
فبينما استطاعت النساء من خلال تكامل السوق العالمية، أن يحصلن على أماكن عمل أوسع من
الرجال نسبياً، نكتشف أنهن خسرن أجراً ونوعية. ففي بلد يتوقع له أن ينافس على قطبية العالم
في السنوات القادمة ، وهو الصين، نجد أن جنوبه المتفوق على شماله في معادلة مقلوبة،
تشتغل فيه أكثر من مليوني امرأة في معامل مشبعة بمواد كيماوية خطرة وعلى ماكينات قديمة،
وبساعات عمل إضافية إلزامية، ترتفع فيها نسبة الحرائق والتسمم من دون أية حماية أو ضمان
صحي، فإذا نطقت المغبونة واحتجت ضد الظروف التعسفية كما حدث مع عاملات النسيج في
نهاية عام 1996 في كمبوديا، هددت ثلاثون شركة في هونغ كونغ وماليزيا وتايوان، بالانسحاب
الفوري من البلاد، ما لم تحمي الحكومة استثماراتها.
ثم هل لنا أن ننسى أن هذا العصر الكارثي على النساء قد بعث معه عبوديتهن من رقادها
والمتمثلة هذه المرة في مهنة الخادمات، فإحصائيات العالم الليبرالي تقرر أن أربعة ملايين فلبينية
امتهن الخدمة خارج الوطن، ناهيك من البولونيات اللاتي يهاجرن للعمل في مواسم الصيف،
ليرغمن فيما بعد على عمل من نوع آخر يتعامل مع أجسادهن وحدها، بل، وربما تباع الواحدة
منهن إلى أية جهة طالبة، والكلام عن مافيات تجارة النساء عابرة للقارات ، وهو جزء منظم لجريمة
ترتبط بتجارة المخدرات والسيارات، فأي امتهان أبشع؟
باختصار، مع العولمة تدمر الضمان والنسيج الاجتماعي، وقضى على ما بقي للأنثى من أوقات فراغ
كانت ملكاً لها ولأسرتها، ثم تركها تبحث عن هوية ثقافية غير هويتها، عدا عمّا ولّده لديها من قلق
متزايد حاصر إحساسها بالاستقرار، الذي هو أهم عنصر في حياتها. فإذا عرفنا أن الفقر قد تأنث
نتيجة إحصائية تقول إن 70% من مجموع فقراء العالم هم من النساء، ومع هذا فإنهن يعولن 35%
من مجموع الأسر في العالم، فلا تستمروا معشر الرجال في ترديد: ماذا يردن النساء؟